إثنيات

العدد الثالث ..شهر آذار عام ٢٠٢٣..التسامح كشرط سياسي و قانوني .

شكل قضية التسامح بندا رئيسيا في أجندات الدول والمنظمات الدولية والمؤتمرات العابرة للقارات خلال السنوات الأخيرة، في سبيل تعزيز التفاهم المتبادل بين الثقافات والشعوب، ووضع حد للصراعات الدامية والاختلافات العرقية والإثنية، التي أدت إلى وضع بعض البلدان على شفير الحروب، أو إزهاق أرواح الآلاف في بلدان أخرى.

ولأن التسامح يعني الاحترام والقبول للتنوع الثري لثقافات عالمنا، ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا، فقد بادرت الأمم المتحدة بتدعيم التسامح في جوهر ميثاق الأمم المتحدة، وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كذلك، لذا باتت ضرورة أكثر من أي وقت مضى، خصوصا في هذه الحقبة التي تشهد زيادة التطرف العنيف، واتساع الصراعات التي تتجاهل الحياة البشرية.

وفي عام 1996، دعت الجمعية العامة بقرارها (51/95)، الدول الأعضاء إلى الاحتفال باليوم الدولي للتسامح في الـ16 من نوفمبر كل عام، من خلال أنشطة ملائمة، توجه نحو المؤسسات التعليمية وعامة الجمهور، وجاء ذلك الإجراء في أعقاب المؤتمر العام لليونسكو عام 1995، الذي اعتمدت فيه الدول الأعضاء إعلان المبادئ بشأن التسامح وخطة عمل متابعة سنة الأمم المتحدة للتسامح.

ويؤكد إعلان المبادئ أن التسامح لا يعني التساهل أو عدم الاكتراث بالخصوصيات والحدود والضوابط، بل هو احترام وتقدير للتنوع الغني في ثقافات هذا العالم وأشكال التعبير وأنماط الحياة التي يعتمدها الإنسان، فالتسامح يعترف بحقوق الإنسان العالمية، وبالحريات الأساسية للآخرين، فهو القادر وحده على ضمان بقاء المجتمعات المختلطة، متسالمة، متوائمة في كل منطقة من العالم.

على أن الإعلان يحدد مسألة التسامح، ليس فقط كواجب أخلاقي، ولكن أيضا كشرط سياسي وقانوني للأفراد والجماعات والدول، تتم صياغته عبر تشريعات جديدة تضمن المساواة في المعاملة والعدالة في توزيع الجهود وتكافؤ الفرص لجميع الفئات والأفراد في المجتمع، ويجب أن تهدف التربية من أجل التعايش إلى درء التأثيرات التي تولد الشعور بالخوف من الآخرين واستبعادهم أو إقصائهم، كما ينبغي أن تساعد المنظومة القيمية والقوانين الرادعة على تطوير نظرة أفراد المجتمع بعضهم لبعض، بما يمنع تحول الاختلاف في الديانات واللغات والثقافات والإثنيات في عالمنا، إلى ذريعة لنشوب الصراعات.

وترتقي الأوطان والشعوب بقدر ما تحمله المنظومة التعليمية منذ الصغر إلى الجامعة، من بواعث تقبل الاختلافات بين الناس والمجتمعات، ونبذ التعصب والدونية نحو الآخرين، من الثقافات والديانات، وهذه مفاهيم تحرص الدول المتقدمة على أن يتم تدريسها وتعليمها منذ سن مبكرة، وبذل جهود إضافية لتعليم الأطفال فكرة التسامح والتطبيقات العملية التي تشجعهم على وقف التنمر، سواء في الأسرة، أم في المدرسة والحي السكني، والانفتاح وتقبل التنوع في الشكل واللون واللغات.

ونظرا لأهمية التسامح، فإنه لا بد من معرفة وسائل تنشئة الأشخاص، ليكونوا متسامحين منذ طفولتهم، إذ يبدأ اكتساب الطفل لصفاته الأخلاقية من الوالدين في المنزل، كما أن التعليم لا يبدأ أو ينتهي في المدرسة، بل هو تجربة تستمر مدى الحياة، ومجمل الشرائح العمرية، ولا تخص مكانا معينا دون آخر، فهي تستهدف المنزل والمدارس، مرورا بالجامعات ومكان العمل، وصولا إلى مجال تطبيق القانون والتدريب القانوني في المؤسسات.

ولا تتوقف حدود مواجهة التعصب عند هذا الحد، في ظل الإعلام الموجه وثورة وسائل التواصل التي باتت عند بعض الفئات وسيلة لبث الكراهية وتحقيق الطموحات السياسية وبث الدعايات المضللة التي قد تستهدف جماعة ما، عبر التحريض واختلاق حجج واهية، ترمي للتلاعب بالإحصائيات، وبالرأي العام من خلال نشر معلومات مغلوطة وأحكام مسبقة، فأفضل الوسائل للحد من تشظي السلوكيات السلبية هو تطوير سياسات تولد حرية الرأي والصحافة الموثوقة ذات المصداقية والتعددية الإعلامية التي تسمح للجمهور بالتمييز بين الوقائع والآراء الشخصية، وفرز الحقائق عن الدعايات.

وإذا كان للتشريعات والقوانين والتعليم والسلوك الاجتماعي دور مهم في تخفيف حدة الخلافات وتعزيز ثقافة التنوع، فإن لعامل الوعي الشخصي لكل أفراد المجتمع دورا لا يقل أهمية في احترام ثقافة الآخرين، وبالتالي بناء لبنة الدولة المتسامحة والثقافات المتصالحة مع نفسها، فالتعصب لا يولد إلا تعصبا مقابلا، كرد فعل طبيعي، لكن ردود الافعال تترك ضحاياها غالبا متعطشين للثأر، وهذه الآفة لا تكافح إلا بوعي الأفراد أنفسهم بالرابط القائم بين أنماط سلوكهم الذي يؤدي انعدام الثقة فيه إلى تفشي ثقافة الخوف في المجتمع.

هيئة تحرير مجلة تسامح الالكترونية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wpChatIcon
translate