افتتاحية العدد

افتتاحية العدد ..حين يكلف التمييز العنصري و غياب ثقافة التسامح تريلونات من الدولارات !

لم ينقطع الجدل حول العنصرية الممنهجة في العالم قط وفي الولايات المتحدة على نحو التحديد ، لكن الجديد في الموضوع و شكل صدمة في الوعي العام هو ما نشره بنك سيتي غروب تقريرا في مثل هذا الايام من عام ٢٠٢٠ الماضي يوضح فيه كيف مثلت سياسات التمييز العنصري عائقا أمام ازدهار الاقتصاد الأمريكي وأضاعت عليه تريليونات الدولارات في السنوات العشرين الماضية. وهو ما أثر سلبا على حياة الجميع بهذا البلد.

حيث سلطت حركة “حياة السود مهمة” والاحتجاجات ضد عنف الشرطة الأمريكية في ذلك العام الضوء على التأثير الاجتماعي لسياسات التمييز العنصري التي تنتهجها أجهزة إنفاذ القانون في الولايات المتحدة. فالتكلفة العالية وغير المتناسبة التي تكبدتها الأقليات العرقية كشفت عن عدم المساواة في مناحٍ كثيرة منها الحصول على الرعاية الصحية وعلى وجه الخصوص جراء تفشي وباء كوفيد-19. وجاءت الدراسة التي أجراها بنك سيتي غروب الأمريكي المشار اليها اعلاه لتسلط الضوء على تأثير ضار لسياسات التمييز على المجتمع الأمريكي: فقد كلفت هذه السياسات الاقتصاد الأمريكي 16 تريليون دولار على مدى السنوات العشرين الماضية

يُعتقد في كثير من الأحيان أن الشخص الذي يمارس التمييز ضد شخص آخر على أساس العرق أو الدين أو الجنس لا يعاني من أية عواقب اقتصادية. [ … ] وهو ما ثبت خطأه”،  كما كان يقول ميلتون فريدمان الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1976. من خلال تقرير يتألف من أكثر من 100 صفحة، شرع اقتصاديو سيتي غروب في إظهار أهمية ما أدلى به مفكر الليبرالية الشهير في أمريكا اليوم.

الفرص الضائعة

يؤكد مؤلفو ذلك التقرير أن الأمر كله يتعلق بالفرص الضائعة. والفرصة الضائعة الأكثر وضوحا وأهمية تتعلق بمسألة عدم المساواة في الأجور. فقد أوضحت دراسة أخرى نشرتها شركة الاستشارات الاقتصادية ماكينزي عام 2013 أن “الأمريكي من أصل أفريقي يكسب مليون دولار أقل من المواطن الأبيض على مدار حياته”. ولاحظ اقتصاديو سيتي غروب، بعد دراسة البيانات التي جمعوها من الاحتياطي الفيدرالي ومكتب التعداد السكاني، أن الفروق في الأجور “لم تضق منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي”. كما يخرج التقرير باستنتاج مفاده أن فشل السياسات في مكافحة التمييز في أماكن العمل، منذ 20 عاما، قد أسفر عن تضييع “مبلغ ضخم للغاية تصل قيمته إلى 2700 مليار دولار كان يمكن إضافته لإجمالي الدخل القومي إذا لم تكن هناك فروق في الرواتب”.

وهي أموال كثيرة كان من الممكن، جزئيا، أن تغذي الاستهلاك أو تستخدم للاستثمار في الأعمال التجارية أو العقارات. ويأسف خبراء الاقتصاد في هذه المجموعة البنكية على “أن الولايات المتحدة، في تقديرهم، تُحرم من تحقيق 0,2 بالمئة زيادة على نسبة النمو الحالية جراء سياسات التمييز الحاصل في توزيع المداخيل”.

لكن المشكلة تتخطى موضوع الأجور، فهي أبعد من ذلك بكثير. يضيف تقرير سيتي غروب أن “صافي الثروة – أي الأصول مطروحا منها الديون – لأسرة أمريكية من أصل أفريقي، في المتوسط، هو أقل بثماني مرات من صافي ثروة الأسرة البيضاء، وفقا لحسابات الاحتياطي الفيدرالي”.

إن أحد المكونات الرئيسية لثروات الأمريكيين يأتي من القيمة العائدة لمنازلهم. وفي هذا الصدد، فإن التمييز صارخ للغاية، وتشير الدراسة إلى أن “الفجوة بين نسبة الأمريكيين السود الذين لديهم ممتلكات ونسبة البيض قد ازدادت منذ الستينيات”. فما يزيد من “اتساع اللامساواة العرقية” هو أن هذه الأقليات عندما تتمكن، على الرغم من كل شيء، من تملك عقار، فإنه غالبا ما يكون في الأحياء الرخيصة، ما يعني أن قيمة ممتلكاتهم ترتفع ببطء شديد.

العنصرية في الحياة اليومية إضافة إلى التمييز المؤسسي

وإن كانت البنوك تميل إلى التردد في منح القروض العقارية، فهي حذرة بنفس القدر في تمويل المشاريع التجارية وإنشاء الشركات للأقليات العرقية. وهي فرصة كبيرة أخرى ضائعة بسبب العنصرية في نظر سيتي غروب. ويقدر البنك الأمريكي بأنه إذا كانت المؤسسات المالية قد “تعاملت بطريقة عادلة ومنصفة” مع رواد الأعمال الأمريكيين من أصل أفريقي الذين جاؤوا لطلب المال لإنشاء أعمالهم التجارية، “كان من الممكن أن يؤدي ذلك إلى توليد مبلغ 13 تريليون دولار من الإيرادات الإضافية للاقتصاد الأمريكي [حجم الأعمال المحتمل لهذه الشركات وعائدات الضرائب التي تجنيها الدولة – أسرة التحرير] وخلق حوالى 6 ملايين فرصة عمل منذ 20 عاما مضت”.

وهي خلاصة تشجع خبراء الاقتصاد في سيتي غروب على الدعوة إلى زيادة عدد ممثلي الأقليات العرقية في عالم المال والأعمال، وبصورة أعم، بين المستثمرين. فهذا التنوع الكبير لن يعزز حصول الأقليات العرقية على الائتمان فحسب، بل، كما يقول مؤلفو الدراسة، يمكنه أن يوفر أيضا فهما أفضل للاحتياجات الاقتصادية لهذه الأقليات ما سيعود بالنفع على الاقتصاد في مجمله. في الواقع، فإنه بسبب التمثيل المفرط للبيض في مجتمع الأعمال، غالبا ما يتم إنفاق الأموال في غير أوجهها ما يحرم هذه الأقليات من الحصول على الخدمات أو المنتجات المناسبة. ووفقا لسيتي غروب فإنه “هناك فرص عمل بمئات الملايين من الدولارات” يتم التغاضي عنها بسبب نقص المعرفة بالسوق.

هذا التراكم للعنصرية في الحياة اليومية والتمييز المؤسسي هو الذي كلف الاقتصاد الأمريكي ثمنا باهظا. ويقر الاقتصاديون في سيتي غروب بأن النجاح في عكس الأوضاع الحالية لن يحدث بين عشية وضحاها، لأن هذه التحيزات متجذرة بعمق في المجتمع الأمريكي.

لكن الفوائد التي ستعود على الاقتصاد قد تكون كبيرة، فإنهاء هذه التفاوتات العرقية يمكن أن يولد أكثر من خمسة تريليونات دولار من الثروة الإضافية للاقتصاد الأمريكي في غضون خمس سنوات. كما تحدد الدراسة عددا من التدابير البسيطة التي يمكن أن يكون لها تأثير فوري، مثل منع صاحب العمل من طلب سجلات الرواتب التي حصل عليها سابقا مرشح لوظيفة ما. ويؤكد التقرير على حقيقة أنه “إذا لم يكن يعرف رب العمل الراتب السابق، فهو لن يُقبل، حتى عن غير وعي، على إدامة التمييز في الأجور الذي تعاني منه الأقليات”. إنها خطوة صغيرة في الاتجاه الصحيح بوسعها أن تحدث فارقا ملموسا.

و الخلاصة المهمة التي تنتصر اليها منظمة تولارانس و مجلة تسامح الالكترونية هي أن التسامح ليس قيمة عملية تسمح باستمرار المجتمع من زوايا السلام والتعاون و التضامن فقط ،بل ايضا للتسامح اهمية ذات ابعاد اقتصادية قصوى ، بوجوده يحقق المجتمع زعلى درجات الرفاهية و الكفاية الاقتصادية ، و الدراسة التي قدمنا اليها في افتتاحية هذا العدد خير دليل على ذلك

هيئة تحرير مجلة تسامح الالكترونية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wpChatIcon
translate