إثنيات

العدد السادس .. حزيران من عام ٢٠٢٣ … مقدمة في اشكالية التسامح في الفكرين العربي و الغربي

page2image4029944880

التسامح بوابة عظيمة تدخل منها جميع أشكال التواصل الثقافي و الحضاري والتجاري والعلمي و الأخلاقي، فتحدث عملية التأثر و التأثير بين الشعوب و الحضارات، فالشرق العربي على سبيل المثال أخد من الشرق اليو ني علوم الفلسفة و المنطق، و أخد الشرق اليو ني من العرب علوما عديدة في الر ضيات و الفلك من غير

أن يلفت أحد الطرفين إلى اختلاف الد نة أو العرق. تبلور مفهوم التسامح في سياق page2image4029999680 ريخي نظري مح َّددين، واكتسب دلالاته الأولى في قلب هذا السياق. فقد برزت ملامحه الأولى واستوت في إطار معارك الحروب الدينية والإصلاح الديني، واتخذت صورة واضحة في الفلسفة السياسية الحديثة خلال القرن السابع عشر، ثم تطور واتسعت دلالاته وتنوعت في القرن العشرين، وذلك في

سياق تطور مبادئ وأجيال حقوق الإنسان، وكذلك في إطار تطور منظومات الفلسفة السياسية الحديثة والمعاصرة. 1- التسامح، نشأة ، المفهوم ، الدلالة وتطورها: يجمع أغلب دارسي مفهوم التسامح على صعوبة ضبط معانيه ودلالاته، ولا يتعلق لدلالات الفلسفية الاصطلاحية، التي ارتبطت به خلال مراحل تشكله وتطوره سواء في ا ال الديني أو في الفلسفات التي حاولت وضع حدود لمعانيه في القرن السابع عشر وما بعده، بل إ ّن الأمر يتجاوز الدلالة الاصطلاحية نحو الدلالات اللغوية العامة التي تحملها مفردته. وقد ب َّين المفكر الفرنسي بول ريكور في المقاربة التي ر َّكبها لمفردة تسامح

Toléranceاعتماداً على بعض معاجم اللغة الفرنسية 1، أ ّن الطابع المبسط للدلالة كما تقدمها بعض هذه المعاجم، يساهم في مزيد من غموض المفهوم وصعوبته. نواجه الصعوبة نفسها عندما نقترب من دلالةكلمة تسامح في المعاجم العربية، وتتب َّين بعض جوانب هذه الصعوبة فيالدراسةالهاّمةلسميرالخليلالمعنونةبـالتسامحفياللغةالعربية 2،حيثو َّضحالباحثفيهذهالدراسةصور التناقض بين جذر كلمة التسامح ومفهوم التسامح، موضحاً أ ّن استيعاب روح المفردة في سياقها النظري والتاريخي يتطلب عمليات تمثل وتوظيف يكون مكا ما حفر الدلالة الجديدة في رسم الكلمة العربية، ومن أجل ذلك يجبالاستمرارفيامتحانالمفردة لتداول،لنقفعلىحدودالدلالاتالتيتُقرن ا. نستخدم مصطلح التسامح عندما نحاول أن ندرس كيفية انبثاقه وآلية اشتغاله ضمن أوساط اجتماعية ـ ثقافية وسياسية متغيرة من وقت إلى آخر )وهنا يدخل عامل التاريخ(، أو متنوعة )وهنا يدخل عامل الانتروبولوجيا

مقدمة:

الثقافية( 3 .لكن ما التسامح؟ وكيف يتم إحقاقه في وقت كثرت فيه النّزاعات الطائفية والتمزقات المذهبية، وطغت فيه قيم الأ نية والكبر ء والتناحر بين أفراد وجماعة الأمة الواحدة ؟ أولا- مفهوم التسامح إن التسامح هو الموقف الذي يبيح لشخص ما قبول أساليب الآخرين في التفكير وطريقة معيشتهم الحياتية، ضد كل ما يمكن أن يع ّكر صفوها، ومكافحة أدران العنصرية الوضيعة والكراهية المتزّمتة والاستعاضة عن كل ذلك

بقيم الاندماج والاعتراف والاحترام، وليس العزل والإقصاء والتقوقع على الذات الذي لا نستطيع معه أن نفهم

page3image4042489792 page3image4042490080 page3image4042490384

الآخر؛ فنعمد إلى ازدرائه واحتقاره لدينه أو عقيدته أو سياسته أو عرقه أو أسلوب حياته أو بلده أو لغته … إلخ. 4

ولهذا، سيكفل لي التسامح،كإيتيقا )Éthique( و كمبدأ وكموقف، بلوغ تلاحم عرقيكلياني للبشرية جمعاء . و التسامح يضمن أسلو في محاربة الإقصاء الاجتماعي والنّزاع والعزلة، ويساهم بذلك في محاربة الحقد وفتح أبواب الحوار والتراضي بين الأطراف المتصارعة والمتناحرة، ورفض كل أشكال العنف، ويحقق الانفتاح على

page3image4042544496

الثقافات الأخرى والمشاركة في إنتاج “الكوني -الإنساني.”

1-1 المعنى اللغوي والاصطلاحي للتسامح:

نجد في لسان العرب ، تمييزا بين ) سمح( يقال في السخاء ، و )أسمح ( يقال في المتابعة و الانقياد. “يقال أسمحت

نفسهإذاانقادت،وسمحليفلان،أي: أعطاني،وسمحليبذلك يسمحسماحة.وأسمحوسامح:وافقني

5
على المطلوب” . إن الدلالة الأصلية للكلمة تبدو دلالة سلبية ،و لعل كلمة عدم التسامح أو )اللاتسامح (

Intolérance هي التي تعبر عن هذه الدلالة السلبية. لقد تم تناول لفظة تسامح Tolerantia اللاتينية في القرن السادس عشر ، و استعملها أ ء الكنيسة للدلالة على معنى القبول و التحمل السلبي ، كما يتضح ذلك في كتا ت كالفن )Calvin(، ومونتانيو ) Montaigne (، وخلال النصف الثاني من القرن السادس عشر ، في ألمانيا و هولندا ، دلت الكلمة على معنى التسامح المتصل

لحريةالدينية 6،إنالبحثفي ريخدينمعين،أوفي ريخالأد ن،لايكشفعنالتسامحبقدرعن الظاهر الفظيعة لعدم التسامح. 2-1 النشأة و الدلالة : ولدت كلمة تسامح في القرن السادس عشر من الحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت، فقد انتهى الأمر

ن تساهل الكاثوليك مع البروتستانت، و لعكس، ثم صار التسامح يرتجى تجاه جميع الد ت وكل المعتقدات7 .فبعد مرحلة الدين الرسمي، الواحد والوحيد، للدولة، مع اضطهاد جميع الملل الأخرى التي تخالف هذا الدين، ثم

بعد المرحلة الأخرى منذ منتصف القرن الخامس عشر؛ حيث بدأت أولى إرهاصات وبوادر التسامح تطفو على السطح، و لذات التسامح الديني، الذي علت كثير من الأصوات داعية إليه. ونخص لذكر حركة الإصلاح الدينيعلىيدمارتنلوثر)1546-1483(وأتباعه؛فهوالذيوجهسهامنقدهوإصلاحهصوبالبا والكنيسة

الكاثوليكية. يمكن أن نقول إ ّن عاملين اثنين ساهما بطرق مختلفة في تش ُّكل مفهوم التسامح، وإليهما يعود الفضل في منحه جوانب عديدة من الدلالات التي يحملها؛ الحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت، ثم الاكتشافات الجغرافية وما ترتب عنها من جدل لاهوتي وأخلاقي، ذلك أ ّن التسامح نشأ ليعكس جوانب من صور تفاعل الفكر الحديث مع التطورات العديدة، التي نشأت في القرن السادس عشر في قلب ا تمع الغربي، حيث تبلور المفهوم كمحاولة لص ِّد مختلف أشكال العنف السائدة في ا تمع، وخاصة في مجالات العقيدة الدينية. نشأ مفهوم التسامح منذ بدا ته في صلة وثيقة بمفهوم الحرية، وقد لا نتردد في القول إ ّن قاعدة نشوئه النظرية تتمثل في مساعي الحرية المرتبطة في فجر ا تمعات الحديثة بمتطلبات الوعي الفردي والنزعة الفردية. صحيح أ ّن مجال الظهور والتشكل تؤطره إرهاصات الإصلاح الديني، إلا أ ّن ميدان استواء ملامحه النظرية يجد أرضيته في معارك حرية التفكير والتعبير والعقيدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
wpChatIcon
translate